جلد الذات في مهرجانات المسرح العربي والعراقي… هل غابت متعة الفرجة؟
بقلم: د. عزيز جبر الساعدي
يشهد المسرح العربي والعراقي في السنوات الأخيرة انحرافًا واضحًا نحو عروض تعتمد على الألم، الصراخ، والذكريات الموجعة، وكأنّ المعاناة أصبحت شرطًا أساسيًا لتقديم عمل “جاد” أو “مؤثر”. هذا الاتجاه المفرط في جلد الذات ترك المشاهد مرهقًا، خاليًا من أي فسحة أمل، أو حتى متعة جمالية كان يُفترض أن يحملها المسرح كفن إنساني شامل.
في أغلب المهرجانات المسرحية، نجد ممثلًا يتلوى على الخشبة، يبكي، يصرخ، يصطدم بجدار الذكريات، وكأن العرض لا يكتمل إلا داخل “غرفة تعذيب درامية”. أين غابت الفكرة؟ وأين اختفت الدهشة والتشويق؟ ولماذا باتت الرومانسية، الابتسامة، أو حتى السخرية الهادفة تُعد خيانة لقضية المسرح؟
الخلل يبدو متشعبًا:
– ضعف النصوص التي تكتفي بعرض الأزمة لا تحليلها أو تجاوزها.
– هيمنة الشكل على المضمون، حيث يتم توظيف الرقص التعبيري بشكل مفرط، دون أن يخدم الفكرة أو البناء الدرامي.
– اختيارات مهرجانية غير مدروسة، تُجامل على حساب الجودة، مما يكرّس النمطية والتكرار.
والأغرب من كل هذا، الجلسات النقدية بعد العروض، التي باتت مجرد تقليد شكلي. ناقدٌ يقرأ ورقته، ثم يُمنح المعقب دقيقة واحدة للحوار. فماذا يمكن أن يُقال في دقيقة؟ “السلام عليكم وشكرًا للإصغاء”؟ أم مجاملة للمخرج؟ هذه الجلسات لم تعد مساحة نقدية، بل أصبحت لعبة مجاملات، ومنبرًا للمقربين، لا لمناقشة جدية تعيد النظر في التجربة المسرحية المعروضة.
المسرح ليس مرآة للكآبة فقط، بل هو نافذة للحياة، للحلم، ولتغيير الواقع عبر أدوات فنية راقية. لذلك، *نحتاج إلى ثورة هادئة* في كتابة النصوص، وفي تدريب الممثل على التعبير دون صراخ، وفي إعادة تعريف المعايير التي تقوم عليها المهرجانات المسرحية.
فلنُعد للمسرح هيبته… لا بالصراخ، بل بالعمق… لا بالتعذيب، بل بالتنوير.